يحرص كثير منا على حفظ القرآن، و لكن .. كم منا من يحرص على التخلق بأخلاقه و العمل به ؟ نحن لا نريد نسخا فقط !!، فالقرآن منهاج حياة المسلم، فكم من الذين يحرصون على حفظه يحرصون على إسقاطه على واقعهم، و كم هم الذين يتخذونه منهاج حياتهم فعلا ؟؟نبينا محمد – عليه الصلاة و السلام – كان خلقه القرآن، فهل نتوق نحن لأن نكون كذلك، أم أن هذا الأمر لا يعنينا، و المهم أن نحفظ القرآن و حسب ؟!
حافظ القرآن يا إخوة، ينبغي أن يتميز عن غيره، ينبغي أن يعرف بطهارة لسانه من الغيبة و من البذاءة، و بنقاء قلبه، و بسمو خلقه في تعامله مع الناس، و باهتمامه بإخوانه المسلمين . يقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، و بنهاره إذ الناس مفطرون، و بحزنه إذ الناس فرحون، و ببكائه إذ الناس يضحكون، و بصمته إذ الناس يخلطون، و بخشوعه إذ الناس يختالون، و ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا، و لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا و لا غافلا و لا صخابا و لا صياحا و لا حديدا – أي فيه حدة و هي الغضب - . و قال الفضيل : حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلغو مع من يلغو، و لا يسهو مع من يسهو، و لا يلهو مع من يلهو، تعظيما لله تعالى .
لنعقد الآن مقارنة بيننا و بين الصحابة – رضي الله عنهم – لنر كيف كان فقههم في التعامل مع القرآن، و كيف تعاملنا نحن معه . قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن و العمل بهن . و قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي – صلى الله عليه و سلم -، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن و العمل جميعا . و عن جندب بن عبد الله قال : كنا مع النبي – صلى الله عليه و سلم – و نحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا . و قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - : لقد عشنا برهة من الدهر، و إن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، و تنزل السورة فنتعلم حلالها و حرامها و زواجرها و أوامرها و ما يجب أن نقف عنده منها . و لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره و لا زاجره و ما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل .
كان الصحابة يتعاملون مع القرآن على أنه منهج حياة، وعوا هذه القضية الجوهرية و عملوا بمقتضاها، فقهوا بأن القرآن للعمل به و ليس لحفظه فقط !!، فلم يحفظه منهم إلا القليل . أما نحن، فكيف تعاملنا مع القرآن ؟ نحن نقضي أوقاتا طويلة في تعلم أحكام التجويد.
ثم نحن نعنى بعد ذلك – أو قبل ذلك أحيانا – بحفظه، و لكن .. أين حرصنا على فهمه و تدبره ؟ أين حرصنا على العمل به و التخلق بأخلاقه ؟، أنا لا أقول بألا نحفظ القرآن، و لكن أن نحفظه و نعمل به نور على نور، ثم إننا محاسبون على العمل به، و لسنا مكلفين جميعا بحفظه .
يقول أستاذنا د. مصطفى السباعي – يرحمه الله - : لو عمل المسلمون بآداب قرآنهم للفتوا الأنظار إلى روعته أكثر من ألف جمعية و ألف كتاب و ألف خطاب . و يقول أيضا : لم يكن عدد المصاحف عند المسلمين في القرن الأول من الهجرة يبلغ عشر معشار عددها عندهم اليوم، و هي الآن لا يتلى منها عشر معشار ما كان يتلى حينذاك، و ما يتلى بتفهم و تدبر لا يبلغ عشر معشار ما يتلى بغير تفهم و تدبر .
فلا تعجبن إذا لم يفعل القرآن في نفوس المسلمين في الحاضر عشر معشار ما كان يفعله في نفوسهم في الماضي !!! .
إذا، فالواجب علينا أن نحرص على تهذيب أخلاقنا كما نحرص على حفظ كتاب الله عز و جل .
أعلمتم الآن الفرق بيننا و بين الصحابة، ذلك الجيل القرآني الفريد ؟ !! .